كثيرًا ما تخطر ببالي قصة الحجاج مع أصحابه، حين تهكموا به يوما، فلما جاء دوره لم ترأف عيناه بهم، ولم تلين له قناة، ولم يلن له قلب. وذلك كان تهكّمًا عابرا، مجرّد كلمة، فكيف لو أنهم قاموا بما هو أعتى وأشد؟
فماذا كان صانعا الحجاج لو وقف قوم أمام رزقه سنوات عامدين، يمنعونه من العمل لا لذنب ارتكبه، بل لأن الحق عندهم يُقاس بميزان الهوى والعهر والدبن المعلب؟
ماذا كان سيفعل لو رأى فرصه تنتزع منه وتمنح للمحسوبين على خط فاسد، لفكر عاهر أعوج، لأفكار عاهرة تغلف دوما على أبسط شيء بغلاف الدين؟
كيف كان سيغض الطرف لو أنهم كانوا يحطّون من شأنه وهم يعلمون يقينا أنه لم يؤذ أحداوأنه أهل للرفعة، ولم يخاصم أحدا، ولم يصدر منه ما يستحق التهميش؟
الحقيقة المرة أن الكفار على كفرهم أرحم من المتأسلمين في بلاد امتلأت بالظلم والجور والعهر والفساد؛
فالكفار بالخروج عن سطرهم المرسوم لا يعنيهم ما لم تكن تهدد مصالحهم، أما أدعياء الطهر وورثة النفاق فخروجك عن السطر وحده جريمة لا تغتفر تستوجب الطرد.
عدم موافقتك لمزاجهم كفيل بطردك من كل باب،
وبفتح الأبواب ذاتها لأجهل الناس وأوقحهم، فقط لأنهم يقسمون بقسم الطاعة ويسيرون في خط العهر الفكري دون سؤال أو اعتراض ! فهم أخذوا التزكية !
ظُلمتُ سنين…
أُخذت فرصي ودُفِعت لغيري من الحمقى والنكرات وأصحاب الجهل، لأنهم انحنوا للخط، وقبلوا أن يكونوا عبادا لفكر عاهر ولصنم يتبع ..
حتى مجرد عدم قبول فكري دون تبني أي فكر مضاد وبقائي غير مؤذٍ كان كافيا ليغلق في وجهي كل باب..
أتينا على أنفسنا عشرات المرات، نطرق الأبواب، نشرح، نبين، ومن كان أحق الناس بتفهمك والوقوف لجانبك من بلدك لم يكن سوى عاهرا نذلا وضيعا،
وأن يخدم غيرك ممن هو محسوب على خط فكر واحد من بلدك أو من غيرها أفضل منك، ويسخر مع كل قطرة فساد تتخم بها بطونهم.
أيمان غموس كاذبة بأن لا حيلة في يدهم، وهم كل الحيلة في يدهم، تثبتها عدة أيام قليلة بعد جلوسك معهم لكن مع غيرك ممن هو محسوب على الخط المرسوم ويعبد الصنم، أو تثبتها مواقف لاحقة، أو ألسنتهم نفسها بعد شهور أو بعد عام أو عامين ..
وحينما تنقطع به كل الطرق ويتسلط عليهم من هم أكبر منهم حظوة وواسطة وأكثر عذوبة في اللسان باسم الدين، يتذللون ويظهرون أمامك بمظهر الشريف المسكين الذي لم يكن بيده حيلة ..
وأنا على يقين، أن من سنن الله أن عجلة الزمن لا تقف، وأن الفرصة ستأتي مهما طال الليل.
وحين تأتي ..
إن ما أوقن به أن من سنن الله أن عجلة الزمان لا تتوقف وأن الفرصة ستحين غير أنها إذا أتت، فلعصرنا الحالي حجاج خاص لن يرف له جفن ولن ترتعش له شعرة ولن تلين له قناة في قطع رزق وسحق ومحق كل هؤلاء الذين اختزنت الذاكرة بحقد متنامي عليهم لسنين وما اكثرهم ...
فقد أصبح لعصرنا هذا حجاج جديد، لن يرف له جفن، ولن تلين له قناة،
ولن يرحم من حُفرت أسماؤهم في الذاكرة حقدًا ومرارًا لسنين طويلة..
جهال وحمقى وفاسدين وخنازير، يعشقون تحقير النخب وتهميشهم بفارق القوة التي يملكونها، لكن القوة لا تدوم، وتدوم المعرفة لاصحابها من النخب وعجلة الزمن ستدور .....

تعليقات
إرسال تعليق