في ظل ركام بيوتنا وهدير الطائرات وصمت العالم، تظهر أسماء على الجدران كوشم باق على جسد الأرض. الجندي شيمون زوكرمان (Shimon Zucerman) — الذي انكشف اسمه في وثائق ببرنامج ما خفي أعظم على قناة الجزيرة ليس مجرد اسم عابر هنا، بل علامة على وحشية تلبست شكل إنسان.
اسم ترافقت معه أفعال لا تمحى: تدمير ممنهج، اقتلاع للحياة، وإعلانات على الحائط تفوح منها رائحة الازدراء والانتقام.
قبل أكثر من عام، كنت أتسلل إلى بلدتي خزاعة متحديا الموت، أستنشق ترابها وأشم شذا أشجارها قبل أن تداس، أمشي بين بيوتها كمن يودع دفء العمر.
كنت أختار المسالك الأقل قتلا، أختبئ في الظل وبين الركام، وأوثق ما حل بها.
الحجر الذي صار شظايا، الشجرة التي تحولت إلى عود مكسور، الطير الذي قتلوه ولم يعد يغني.
كل صورة التقطتها كانت شهادة؛ كل لقطة كانت نداء إلى من لا يزال يملك ضميرا.
ما وثقته صور وفيديوهات ليست مجرد دليل على تدمير مادي، بل دليل على تفشي همجية تشهد عليها الكتابات على الجدران: عبارات جنسية مبتذلة، شتائم، شعارات تمجد القتل، ورسائل تبرر الابادة الجماعية بحقنا.
في إحدى الزوايا كتبوا بحبر: «אוריה ♥ הרוע» — «أوريا يحب الشر»!، وفي أخرى «כל המתנחלים יענשו על זה» «كل المستوطنين سياعقبونكم على هذا»!؛ وعبارات أخرى تبرر العنف باسم «الثأر» وتختزل شرف الحياة إلى مجرد شعار للاحتلال.
إن الجدران هنا صارت مرآة لروح مريضة اختارت الكراهية لغة والخراب منهجا.
هؤلاء لم يكتفوا بهدم الحجر، بل هدموا الذكريات؛ لم يقتلعوا الأشجار فحسب، بل طمسوا أسماء الأجداد وملامح الطفولة. منازل باتت ركاما، وكل ذلك ترافق مع ضحكات وتعابير استهزائية تترك على الجدران كإيذان بانتهاء إنسانية المكان.
أنا لا أكتب كمتفرج يتحدث عن حدث بعيد؛ أنا من أهل هذه الأرض، شاهد وموثق، أحمل الصور والفيديوهات كأمانة للتاريخ وللضمير. سأحملها إلى العالم كي يرى حقيقة ما حدث: ليست مجرد خسائر مادية، بل جرائم ترتدي ثوبا نظاميا وأخلاقا منتفية.
لن ننسى القتل والنزوح والتهجير وسنذكرها لكل من يظن أن التاريخ يمكن أن يمحى بدهان جديد على جدار.
هذه الشهادات مرآة للوجع وللكرامة الممزقة، لكنها أيضا وعد: أننا سنلاحق الحقيقة، سنجمع الأدلة، سنكتب الرواية الحقيقية لأصحاب الأرض، لا لرواة الخراب.
سنقدم هذه الصور كدليل أمام كل منكر لها، وكل قارئ في العالم.
لن تذهب دماؤنا هدرا، ولن يطوى هذا التاريخ في أدراج النسيان.
انظروا، اسمعوا، واكتبوا عن ما شاهدته عيوننا ودوّنته أيدينا.
#غزة




تعليقات
إرسال تعليق